منتديات شباب كربلاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الضاحك الباكي

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:29

القوا خيرهم وأبقوا شرهم وهاهم أولاء يركبون البحر طلباً للنجاة!
خمسة رجال وامرأتان والربان وملاحان.
قطعت السفينة في الماء فرسخاً فاطمئن القوم، وتراءى لهم أن السلامة باتت
مضمونة..
أما رئيسهم مديد القامة، فقد دأب على التنقل وإصدار الأوامر..ولكن شيطانهم
تخلى عنهم، والله لم يشأ، على شأنه-أن يرحمهم، فقد هبت عاصفةٌ هوجاء
فاقتلعت الصارية الكبيرة ومع ذلك، فما روعتهم المفاجئة، وكانت حالتهم أشبه
بحالة مشفٍ استنشأ النفس الأخيرة براحة فأيقن أن الوعكة زالت!!
واحدٌ منهم وخط الشيب رأسه أختلف رأيه-واحدٌ وخط الشيب رأسه واستسلم
للتفكير-كان هذا الكهل مطرقاً يتأمل، وكان يشعر بالندم، ويرمق الربان بنظرةٍ
متفحصة..كانت عيناه تقولان: " تلك هي المشيئة، وسنتحمل عاقبة جرائرنا...
لقد بدأنا الشر، وللشر بقية لا تعود إلا مع بادئه! "
كان الاثنان-الشيخ والربان-في شغلٍ عن الجميع بأفكارهما. فالأول كان يرفع
رأسه إلى الأفق المكفهر، والثاني يطيل التحديق إلى اللجة المزبدة..
وكأنهما يحاولان أن يستشفا الغيب!
ودنا رئيس العصابة من الربان وابتدأه قائلاً:
أي الرجال هذا؟؟
إنه أطولهم باعاً
وما هي لغته ؟؟
يلم بلغة الناس كافة
ما ذا يعلم من شؤون الدنيا ؟؟
كل شئن..
يعرف ما يجهله الناس
ما اسمه ؟؟
لا اسم له، ويكنى بالمجنون
وأنت تدعوه كذلك؟؟
أنا ؟!
كلا.. بل اسميه الحكيم
ما هي مكانته بينكم ؟؟
المرشد والملهم والعليم
أتدري أني أرى فيه لغزاً ؟
أتدري أنه مرآة صافية ؟؟
وشقة السفينة طريقها في اليم، وعاركت الأمواج، استسلمت لها مكرهة فتقاذفتها
كأنها كرة..
وعبثت بها، فاهتزت..
ارتعشت القلوب. وتكاثف الظلام
وهدرت المياه
وزمجر الإعصار
وناح ملاك
وقهقه شيطان !!
أما المجنون أو الحكيم فجمد في مكانه، لا يحول عينيه عن جهة الشمال..
ودنا الربان منه، وجعل يتأمل فيه ولا يدري، أيحترمه أم يزدريه؟
أيتجاهله أم يعترف بوجوده ؟؟
وقال أخيراً : لي كلمةٌ معك يا سيدي
قال: تكلم.. فكلي أذان صاغية
ما دمت كذلك فعندي سؤال
سل ما بدا لك
أفي حوزتك جهاز الارتفاع والانخفاض ؟
كلا
وكيف يتسنى لك معرفة مركزك في البحر ؟؟
لنا نحن الأسبان خبرةٌ ودراية في الملاحة
على أن الليل بهيم فكن متحذراً ومحترساً
ليطمئن بالك، فلست من الجهلة
وكم ميلاً في الساعة تجري السفينة؟
خمسة أميال
إلى أين نقصد بها ؟؟
إلى مكان يقع بين ليولار و سان سبستيان
كن متيقظاً، فالهواء المتجه في تيار يسبب تجاوباً في البحر !
لا تقذع في البحر، فهو يسمع ويعي.. وهو غضوب حقود
أتؤمن بالخرافات ؟؟
قد يكون ذلك، وما عليك الآن إلا أن تصرف في المراقبة جهدك
لن تغمض لي عين..وإننا الآن مبتعدون عن التيارات..
وصمت الشيخ ثم رفع رأسه، وما كاد يفعل حتى قطب فزعاً، وتمتم: " كنت
أتمنى على الله أن تكذب نبوءتي، ولكن .... "
وأخلد ثانية للصمت، وحدد طرفه في بقعة داكنة صغيرة، وما عتم أن قال " أنظر
.. أنها تقترب! "
قال الربان: " أوضح يا هذا! "
فأشار الرجل بيده وأجاب: " أما ترى تلك الغمامة "
----------------------
يتبع..
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:31

حدث الربان نفسه وهو يبتعد عن الكهل : " تعسا له كان بودي أن ألقيه في البحر
! "
وشعر بقشعريرة تصيبه فتصطك ركبتاه، وأهرع إلى المقدمة، فأرسل بصره على
سجيته، ثم استدار وهو يرد بحزن وأسى: " أنه على صواب، فالخطب يوشك أن
يفدح، النهاية تقترب.. هاهي العاصفة تشتد عنفواناً..هاهو الهلاك يهجم على
صرحنا ليعاجلنا بالردى؟ يا لكربي! إن الشجا يدوي في قلبي "
*********
هل وكل بهذا الشيخ باب جهنم ؟ إنه يتكلم كالواثق مما يقول !!
والتفت الربان إلى مكان الشيخ فلم يجده !!
و استدار ثانية إلى القبة الدامسة، فإذا الضباب يغشى الأفق ويملأ السماء !!
أما الشيخ فقد نزل إلى قاع السفينة، وأتجه من فوره إلى المطبخ فقعد القرفصاء
قرب الرجل كان منكباً على إعداد الطعام، وأخرج من جيبه ورقاً وقلماً
ثم أخرج قطعة من الجلد الجاف الأبيض، بسطها أمامه وجعل يدون عليها كلمات
.
وأسترع انتباهه زجاجة كان الرجل الآخر يرفعها إلى فمه من حين إلى حين،
فحدد طرفه فيها، وقرأ عليها اسم ما كاد يتبينه حتى جمدت يداه !
لقد قرأ اسم –هركانون- فما معنى هذا ؟؟
ورأى أن يسأل، فقال الرجل : "هل الزجاجة التي في يدك لهركانون؟ "
فأجابه الرجل: " إنها له..يا للشقي .. ما أتعسه !! "
أهو نزيل السجن ؟ ألم يطلق سرحه ؟؟
كلا بل ما برح يقاسي ألوان العذاب
في سجن شاتام ؟
أجل، وقد احتفظت بالزجاجة كي أتذكره، فهو خل وفي لا يخنث
واستأنف الكهل الكتابة، فلما انتهى ..
وكأنه كان على ميعاد مع الطبيعة، زمجر البحر ولعلع البرق، وقصف الرعد،
ارتجفت السفينة انخلعت، حتى قذف في روع من قيها إنه يوم الحشر، وهب
الرجل واقفاً، فجفف المداد على نار الموقد، ثم وضع الجلد في جيبه، وهرول
صاعداً
هدأت العاصفة بعض الشيء، فعادت الطمأنينة إلى القلوب، وغلب المرح على
الركاب، فانساقوا مع التفاؤل، وأخذوا يصخبون ويفكهون-وهذه فطرة الإنسان،
ينسى دقيقة ماحصل قبل دقيقة.
هكذا الإنسان، أما كهلنا الآسيان فلأنه راح يراقب الغمام الأسود، ويصيخ إلى
زئير الريح.
وأرتفع صوت الرئيس الجمهوري يقول: " هانحن أحرار أيها الرفاق، فانعموا
بالا، و اهتفوا معي: ((حمداً حمداً !))
ولكن صوتاً أهاب بهم: "كفوا عن الضجيج، فالبحر موردكم حتفكم !! أسكتوا ،
هذا الجرس قد أرتفع في البحر صوته .. أرهفوا السمع !! "
وصمت الجميع كأن على رؤوسهم الطير .. ودوى الصوت .. ما هذا ؟ أجرس
يقرع ؟
ومن يقرعه ؟ وما هذه الليلة القبيحة ؟أليس لها من آخر مع النهار؟
لابد أن الشر قد استيقظ وأنطلق من إساره !!
وشاء الربان أن يسري عنهم، فقهقه يضحك وهو يقول : "لا ريب في أننا اقتربنا
من اليابسة"
فأجاب الكهل بصوت حزين: " كلا، بل نحن على بعد سحيق! "
فقال الربان : "بل إننا أقرب ما نكون إليها، وإلا فمن أين يقرع الجرس؟ "
من الأعماق .. من اللجة ..
هذا هراء!!
إن لم يكن قولي الحقيقة، فلا كنت إلا رجلاً يستأهل الموت !
وساد الصمت ثانية، وتعلقت إحدى المرأتين بعنق رفيقتها، وأخذت تبكي.
و أستمر الصوت يدوي، وأستطرد الكهل : ( غريب أن ينبعث الصوت من قاع
البحر، إلا أنه يصدر بقدرة قادر، ومتى أرتفع فمعنى ذلك أن البحر يستعد لالتهام
لقمته، ونحن الليلة لقمته! )
وصرخت امرأة: يا للخسارة !
وأعولت الثانية، وأرتفع صوت هائل .. وتحطمت السارية !
نشطوا يعملون ويقاومون البحر.
غير أن الكهل بدا بمظهر الاسيف القانط ..
واحتاجت السفينة موجة هائلة، فكسحت الدفة،و حملت معها الربان، وغدت
السفينة كريشة في مهب الريح، ولم يعد في مقدور أحد أن يعلم مكان البعد ومكان
القرب في هذا البحر ، وهذا الظلام ..
وومض على حين غرة، بصيص من نور أحمر أحيا ميت الأمل، فصاح رجلان
بصوت واحد: "إنه ضؤ الشاطئ الأمين "
كان هذا بالفعل فنار كاسكنس، وخيل إلى الشاردين في البحر أنهم لن يلبثوا أن
يطأوا اليابسة.
وتلاشى أملهم بسرعة، وعصفت الريح بالمركب.
ودفعته الصخور، وبدأت المياه تخف، فتأرجحوا في مياه ضحلة، وتناهى إلى
مسامعهم صوت تكسر الموج على الصخر، فزاغت عيونهم، ثم ما هو إلا قليل
حتى أغمضوا هذه العيون.
ولما فتحوها رأوا المشهد المهول، رأوا الصخور الشماء كالأشباح السود، تقف
حائلاً بينهم وبين الخلاص !!
وأقترب المركب من الصخور، ولاحت لهم صخرة رهيبة تناطح السحاب،
فصرخوا بصوت واحد: "بيبلت .. الصخرة الملعونة .. بيبلت ! "
وهتف رئيسهم : " أفيكم من يركب متن الأخطار ؟
أفيكم شجاع ينطلق كالشيطان إلى الصخرة بحب قد تكون فيه نجاتنا ؟ "
ولما لم يرتفع صوت بجواب، جاء بلوح خشبي عريض، ألقاه على حافة
المركب، وأمر رجاله أن ينطرحوا عليه، حتى إذا اصطدموا بالصخرة، تحمل
اللوح وطأة الصدمة ونجا الركاب.
وخفقت قلوب الرجال، ففضلا عن تعرضهم لصدمة قاضية، فالناجي منهم يسقط
لا محالة في البحر، ولكنهم لم يجدوا مناصاً من المجازفة، ففي صمودهم الأمل
والرجاء ..
فهل نجوا ؟
خفت صوت الجرس، واكتنفتهم ظلمة دامسة..
وأرغت الشياطين وأزبدت ....
إنها غاضبة ..
غاضبة ....
--------------
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:33

أصبحت السفينة كرة تتقاذفها الأمواج والأنواء.
وذهلت نفوس من فيها، فهم هالكون لا محالة، وتهاووا على الأرض، وغرسوا
أظفارهم في الخشب..
وخيل إليهم أن الله لبى استغاثتهم، فقد هدأت العاصفة، و تقشعت السماء عن
نجومها..
ما لبثوا أن وقفوا بعد تهالك، وشعروا بدبيب الحياة وعودة الروح، فتجاذبوا
أطراف الحديث، وضحكوا بعد بكاء..وقالوا، أو قالت مشاعرهم-إننا في آمان،
ولن نلبث أن نصل شاطئ السلامة !!
ولكن فزعهم المولي أطبق على قلوبهم من جديد، ساعة قال نوتي :-
ويلنا .. قد هلكنا ! الماء يتسرب ويعلو !
و عقب آخر بصوت متحشرج: " إننا هالكون، أننا غرقون "
حاول رئيس العصابة أن يعرف مكان الثغرة إلا أنه أخفق في محاولته، فعاد إلى
السطح وقال : " ضاع الأمل، فاستعدوا لمواجهة الموت "
و أرتفع الماء، وغاصت السفينة، ولكنهم لم يستسلموا ، و شرعوا ينزحون الماء
بالدلاء على أنهم لم يستفيدوا شيئاً، فقد ضحك منهم البحر وأرتفع باستمرار.
وحث الرئيس رجاله على قذف الأمتعة إلى البحر، ففعلوا ما أشار به، فخفت
السفينة، لكنها ما برحت تتقدم نحو الهاوية..
وقال احدهم : " أمن شيء آخر يمكن أن نقذف به؟ "
فأجابه الكهل دون إكتراث: "أجل .. يتوجب علينا الآن أن نقذف جرارئرنا
وجرائمنا "
ولغطوا فيما بينهم، وتأمل الكهل في السماء وأردف بصوت لا ينم عن خوف: "
هلموا..ألقوا قرائفكم وأوزاركم..ألقوا بها حتى تطرقوا باب الرحمة بالتوبة..
لنتضرع إلى الله فقد يتقبل توبتنا.."
ما أكثر ما جنيتم أيها التعساء!!
لقد أضررتم بغلام بريء فشوهتموه، ثم تركتموه في بهيم الليل يموت من
الخوف، أو من العاصفة، أو من وحش ضار جائع يجد فيه ما ينشد !!
إننا ماضون إلى المجهو، فلنُكفِر بالصلاة !
أجثوا .. أجثوا ..
نكسوا عيونكم ..
والطموا رؤوسكن، وأذرفوا الدمومع..

وأرتفعت أصواتهم : ((اللهم أرحمنا))
ثم أتجهت أبضارهم وعقولهم إلى الكهل، وخاطبوه بصوت خاشع خاضع :
( وأنت أيها الحكيم، مر نصدع، قل نفعل ما تقول )
وأجابهم الرجل: " معضلتنا عظيمة، فأمامنا هاوية هائلة مجهولة الإتساع والعمق،
أمامنا هاوية رهيبة، فكيف لنا أن نجتازها دون أن نسقط في جوفها ؟ "
أنقطع الكلام، وأنصت..
وأرهف الرجال والمرأتان السمع.. وأنتظروا على أحر من الجمر
قال الكهل متسائلاً : " أخبروني، كم بقي لنا من الوقت الذي نحيا فيه بأجسامنا ؟
"
فأجاب أحدهم: "ربع ساعة"
قال: " هذا يكفي "
وأخرج من جيبه حبراً وقلماً والرقعة الجلد التي خط عليها ما عن له من خواط،
وقال:-
" هل لي بضؤ ؟ "
وأسرع نوتي فأحضر المصباح ووضعه قريباً منه وعاد إلى مكانه.
وأنحنى الكهل فرفع الرقعة الجلدية وطفق يتلو الكلمات الرهيبة ببطء، وكأنه
يتخير اللفظ الأخير.
وأنتعت الوجوه، وزاغت العيون، وشردت الأفكار..
وأنبجست إبان ذلك العبرات من مآقي العتاة !
غاصت السفينة.. وأقترب شبح الهلاك، و أنتهى الرجال من القراءة، فبسط
الرقعة على لوح الخشب، وشرع قلمه فوقعها باسمه، وكان اسمه جرنادوس
جيستموند.
ثم أنثنى الآخرين فدعاهم إلى التوقيع.
ولم يتردد أحد منهم، بل ذيلوا الإعتراف الرهيب بأسمائهم.
ولما أنتهوا، كتب الكهل هذه العبارة تحت الاسما:
( قاد السفينة ربان واحد وبحاران، إنني أسطر هذه الكلمات والردى ينشر علينا
ظلاله الحالكة )
ونادى على الطاهي فأمره أن يأتيه بزجاجة خاوية، فلما جاء بها فتح الكهل
سدادتها ووضع فيها الرقعة، وأرجع السدادة مكانها، وغطسها بالقطران الغالي
حتى لا يتسرب إليها الماء.
وأحنى الرجال رؤوسهم، وأغمضوا عيونهم، وأرتفع صوت الكهل يقول :- "
الموت يدنو..فلنستقبله"
وتناول المصباح فقذف به في اليم، ثم جثا، وحذا الجميع جذوه..
وعاد فانتصب، وتساقطت الثلوج فكسته بلون أبيض، فأمسى شبحاً لا انساناً..
وصلى بصوته، وصلى بقلبه، حتى إنعكست ندامته على رفاقه، فغرقوا في دموع
التوبة،وغرقوا بعد دقائق في مياه البحر..ولم يبق في قيد الحياة إلا الكهل الوقف
على قدمين ثابتتين !
وأرتفعت المياه إلى كتبه، فرفع الزجاجة إلى أعلى...
ومرت دقيقة، زال على أثرها الكهل، وزالت الزجاجة، وغاص المركب إلى الأبد
....
تلاشت حياة وأمحى مجهود، وتخرمت الحتوف نفوساً ضالة غادرة ...
ذهب كل شيء، إلا زجاجة طفت على صفحة الماء، و إنطلقت مع الموج،
وكأنها تبغي التغلب على العدم !!
------------------
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:34

هل سلمت اليابسة من تلك العاصفة؟ هل كانت الطبيعة أرأف بالأرض من
البحر؟ هل نجا الغلام؟
كان الضباب كثيفاً، والظلام حالكاً، وأرتعش الغلام..و ضرخ ..
وتخبط في تيه. كما يتخبط الأعمى في ظلامه.. ومشى لآنه شعر أن الجمود يزيد
قنوطه، وتعثر ووقع..
وبكى !!
مضى الوقت بطيئاً متثاقلاً، وأنتهى الغلام من الأرض الوعرة إلى أرض منبسطة
مترامية، وتضاعف البرد.. ومع كل ذلك فما كل، بل حث الخطو، حتى إنتهى به
السرى إلى أرض فرشها الجليد بطبقة صلبة.
وأكتشف ممراً ضيقاً، وآثار خطى لامرأة.
وتبع الأثر، وأنتهى إلى مكان أيقن مما وجده فيه أنها مرت منذ أقل من ساعة..
فانتعش أمله، وتجدد نشاطه.
وتوقف الأثر، فلم يدر أين أختفت محدثته، وبينما هو محتار يتلفت، إذ به يسمع
ركزا خافتاً أرتعدت له فريصته !!
وأصاخ، فلم يسمع الحس، وهم بمواصلة السرى ولكن الحسن الخقي سمره ثانية،
وتكرر الصوت، ولما أكتشف الجهة التي أنبعث منها، تقدم وهو يغالب فزعه،
حتى إنتهى إلى بقعة خيل إليه أن الجليد حفر فيها، وأن ناووساً قد أدخل في
الحفرة.
وصدر من الحفرة صوت بكاء، فانكب على وجهه ونبش الثلج، وطالعه بعد قليل
وجه علته صفرت الموت.
لم يتحرك الوجه، أو تنفتح العينان.
وسمع الصوت بكائ، فمد يده ولم الوجه، و لكن يديه أرتدت لآنها مست الموت..
كانت المرأة بلا حياة في ذلك التيه!
غير أن الحياة دبت في مكان قريب .. وبحث بيديه، حتى اصطدمتا بشيء،
فتناوله، فإذا به انسان
انسان صغير لا يتجاوز السنة..
كانت اسمال الطفل تقطر ماء.. إنها أنثى مشرفة على الموت.
فضمها بحنان إلى صدره عله بذلك يصونها ويقيها !
كانت إبنه امرأة برح بها الضنك، فهامت على وجهها، ضاربة في هذا التيه.
ولما دهمتها العاصفة، فتكت بها وأبقت على طفلتها.
وتحست الطفلة وجهه بشفتيها الباردتين كأنه ندى أمها.
فأخافته برودهما، فخلع سترته ولف بها الطفلة، ثم أبتعد عن الجثة..
ومشى مسرعاً، وجسده العاري يرتعد .
وبالرغم من وهنه، فقد تمسك بالطفلة، وبذل طاقته ليتغلب على الطبيعة الشرسة.
فلو كان ابن نعمة وترف لعجز عن تحمل تلك الألام الهائلة، ولمات قبل أن يصل
إلى المرأة فينقذ إبنتها.
صبر الغلام أنقذه، صبره حثه على الكفاح..
فمضى إلى الأمام، يقع فينهض، ولا يكاد ينهض حتى يقع .
ولاح له بغتة بصيص خافت، فانتعشت آمالهـ وأقترب من النور، فساهد من
بعيد بضعة منازل، وشاهد شارعاً ممتداً.
وعرج على بيت كبير، فطرق الباب وأعاد الطرق، فلم يستجب أحد.
فتحول إلى بيت أصغر وكرر المحاولة .. فأخفق.
لقد نام أصحاب البيتين، نام الغني إلى جوار الفقير.
هل نام أصحاب البيتيتن حقيقة؟
أو هل أناخ عليهم شبح الموت ؟
أهي مقبرة عامة أم بيوت مقفرة؟
ماذا جرى ؟
هل أنقلبت الدنيا إلى قفر يباب؟
وهل تلاشت الحياة؟
ماذا جرى؟
ولم لا يستجيب الناس؟
أهو الطاعون ؟
أجل ..
إنه الوباء الأسود الذي لا يبقي ولا يذر!
الطاعون الذي جعل كل امرئ يحصن بابه
وتنقل الغلام بين البيوت دون جدوى، حتى أرهقه الهم فبكى بكاء مر.
وتساءل وهو يكفكف عبراته عن سبب هذا الصمت والإعراض ..
وعضته أنيا الجوع، فأن من اليأس، وضم إليه الطفلة فقبلها وغسل وجهها
بدموعه ....

وضخ سمعه صوت مخيف ينذر بالخطر !!

--------------------
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:34

ما هذا الصوت؟ أدمدمة؟ أزمجرة؟ أطحن انسان؟
لو كان رجلاً لفر خوفاً..
ولكنه صغير، رأى في ليلة ما أستل من قلبه شعور الخوف، لآنه رأى الموت.
واستمرت الزمجرة، ولكنه تقدم.. فثمة كائن مستيظ، وبدت له بعد كل لحظات
مركبة عظيمة، تعلوها غرفة مصنوعة من خشب.
وقد ركب فوقها داخون. كما شاهد باباً ونوراً ينبعث من نافذة.
وتقدم من المركبة، فاشتد صوت الزمجرة، فلم يأبه لذلك، وخيل إليه أن الوحش
مشدود بسلسلة..
ثم تألقت عينان ناريتان، ولمعت أنياب حادة، ولم يشك في أنها مصيدة، أو
حظيرة وحوش يستغلها صاحبها في شؤون العرض و التسلية.
وأرتفع صوت يزجر الحيوان، ويقول: (( اصمت، اصمت يا هومو)).
وصمت الصوت، ثم أنبعث ثانيةً يقول: (( من هنا ؟ ))
فأجابه الغلام:- "إنسان يطلب الآمان"
"أنا..أنا.."
"أنا؟عجباً! لسمع صوت فتى، فمن أنت؟"
"غلام ضائع ينشد الراحة بعد العناء"
"أفي مثل هذه الساعة يجيئنا غلام؟"
"غلام هرأه البرد !"
" ولم تتجول في هذا الهزيع؟"
"أكاد أموت جوعاً"
"أغرب عن وجهي"
و اختفى الضوء، وأحنى الغلام العاثر الحظ رأسه وبكى. ثم ضم إليه الطفلة
ومشى متعثراً..
وفتح باب المركبة، وتدلى منه سله، وهتف صوت خشن: "تباً لك! أدخل..
أدخل.."
ووقف الغلام غير مصدق، وتناهى إليه الصوت الأجش يقول في تبرم: "أدخل
ويحك! أنت جائع.. أنت منهوك.. أنت مبرود..فمن دهاني بك؟؟"
لم يتحرك الغلام من مكانه. وأردف الصوت مهدداً: "ألا تصعد وتمتثل ؟!"
وهم الغلام بالسلم يزمع أن يرقاه، ولكنه تراجع منذعراً..فقد هدر صوت الوحش
!
وصاح الرجل رادعاً: (كفى يا هومو)
و اختفت الأنياب، و استتلى الرجل: "لا ترع .. أصعد !! "
ورقي الغلام السلم، ولما أشرف على مدخل المركبة، وقف متأملاً، فرأى موقداً
يؤج، وعاء ينفث البخار.
ورأى في الداخل مقعداً وصندوقاً أو قنديلاً غير مستعمل، وخزانة صفت على
رفوفها أوان وقنينات وأنابيب، وكانت تستعمل للتحضيرات الكيميائية.
كانت العربة أشبه بصندوق ضخم بيضاوي، وقد خط عليها بالحرف العريض:
"أرسوس..من الفلاسفة"
***
وقف الفيلسوف أرسوس في ركن من المركبة، وكان مديد القامة، نحيلاً وخط
الشيب رأسه، وتغصن جبينه.
أرسوس فيلسوف في طريقته وفي حياته، لأنه فيهما يختلف عن سائر البشر..
فمن غيره يعيش في مركبة متجولة؟
ويستأنس بصحبة ذئب؟
فالذئب هومو كان أليفه و عشيرة ورفيقه في حله وترحاله !
كان هومو أميناً له كالكلب، وحارساً شديد البأس، وقد قضى أرسوس السنين في
مركبته يتنقل من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، فيبيع للأهلين عقاقيره،
ويعرض عليهم حركات مدهشة يؤديها الذئب هومو.
و أرسوس رجل كامل، متبحر في علم الإنسان، متعمق في خلجات الإنسان
ونزعاته.. أرسوس طبيب ومشعوذ وكاتب وحكيم وفيلسوف وشاعر !
أرسوس كل شيء- فهو عظيم في شخصه وتفكيره وإنسانيته.. إلا أنه لا يعرف
لنفسه بفضل.
هو متهكم بارع النكته، يسخر حينا يجد، ويقلد الحيوان والطير، ويتكلم فلا
تتحرك شفتاه، ويخرج صوته الجهير، فلا تعلم من نطق ..
آثر حياة العزلة، واصطفى الذئب وعاشا معاً في سلام و انسجام!
وهومو ذئب..ولكنه ذئب فيلسوف..فهو قانع مكتف.. وهو متفاهم مع مولاه
بالعين وحاسة السمع والشم..
فهو فيلسوف كما قلنا، وفلسفته مبنية على الحواس فحسب..
وقال الفيلسوف للغلام: "ألف ما في يدك"
وصعد الغلام، فوضع حمله برفق على صندوق صغير ورأى الشيخ في حركته
حرصاً لا موجب له، فقال ساخراً:
(( أخائف أنت على كنزك؟ ويلك! إنه أسمال وخرق! قل،قل، من أنت؟ تكلم..لا،
بل اصمت وأقترب من النار، فأنت مقرور ))
ووضع الشيخ يده على ذراعه وشده قليلاً، فتناثر قميصه، فصاح: " يالك من
تاعس! خذ..خذ.."
ولم يكتف أرسوس، بل أخذ الغلام بين يديه، ومرر راحتيه بقوة على جسده، إلى
أن تدفق الدم دافئاً في ذلك الجسد الضامر.
ومالبث الشيخ أن أشار إلى المقعد متداع، فجلس الغلام عليه، وقال الشيخ:
(( كل! أنت طاو.. كل ما في الإناء إنه اللحم والخضار ))
وذهل أرسوس، فقال وهو يحدج الغلام: "ولم البكاء؟"
ولكنه سرعان ما أدرك أن البكاء لم يصدر عن الغلام!!
فتحرك من مكانه،و انحنى فوق الصندوق، ثم رفع اللفافة وهو مبهوت
وقال: ((هذا هو الشيء الذي يبكي! الويل لك أيها الشرير! بقد ارتكبت منكراً!
أنت تلتهم طعامي، وطفلتك تسلبني حليبي! ))
وأسرع فجلب قطعة قماش، وجاء بزجاجة فملأها حليباً، وبعد أن ربط فوهتها
بقطعة القماش، ثم نزع عنها أسمالها، ولفها بملاءة، و لما اطمأن إلى نظافة
الحليب والطفلة، رفع قطعة القماش، واسقط في الزجاجة خيطاً، و وضع طرفه
في فم الطفلة.
وكفت الطفلة عن البكاء، وجعلت تمتص الحليب بشراهة.
وتتبع الغلام حركتها وقد أبرقت أساريره، وأختلس إلى أرسوس نظرات الشكر،
ورمقه باحترام.
ولكن الشيخ قال بغتة: "ماذا دهاك؟ ألا تأكل؟"
فأجابه وهو يجهش: "كلا، لا أريد، فأنت لم تطعم!"
قال: "وما شأنك بي؟ كل ما في الإناء!"
ولكن الغلام تردد، فصاح به وزجره.
وأمتثل الغلام، فأفرغ ما في الإناء بإقبال وشغف.
وامتصت الطفلة الحليب، فابتسم أرسوس مسروراً، و أحضر حشوة من قطن،
وألقاها على الصندوق، ووضع الطفلة فوقها فنامت.
ودنا من الغلام، فربت كتفه وهو يقول:-
" ملأت معدتك، والآن هيا نتجاذب بعض الحديث"
وهز الغلام رأسه وأنصت..
وقال أرسوس: "أين كنت؟ ومن أين أتيت؟"
فأجابه: " لا أدري"
"أتسخر بي؟ من أين أتيت؟"
" لا أدري.. غادروني على الشاطئ وأبحروا!"
" ومن هم ذووك؟"
"لا أعرف لي أباً أو أماً أو أخوة!"
"والطفلة أيها الكاذب؟ أليست أختك ؟؟"
" كلا ليست أختي"
" من أين جئت بها ؟ "
" وجدتها وأنا أتخبط في التيه "
"كيف وأين؟"
" كانت تبكي وهي متشبثة بصدر أمها الميتة"
" منذ متى ؟"
" منذ ساعة، وفي مكان يبعد ميلاً"
أطرق أرسوس مفكراً، وقال كأنه يناجي نفسه:-
" الموت راحة أبدية، فلترقد حيث هي هذه الأم الشقي.."
وعمد بعد ذلك إلى دثار ألقاه على الطفلة، وأمر الغلام أن يرقد قريباً منها، ولم
يعتم أن ربط وسطه بسيور من الجلد تتصل به جعبة فيها زجاجات مليئة بالعقاقي
والآلات، ورفع المصباح من مكانه وغادر المركبة.
ونادى على الذئب، فوثب الوحش وهو يزمجر، فقال: " أصمت ياهومو"
ثم رفع صوته متسائلاً: " وأنت أيها الغلام، هل نمت ؟"
فأجابه: " كلا..لم أنم بعد"
"لا تنس أن تقدم بقية الحليب للطفلة إن استيقضت باكية"
وابتعد أرسوس وهومو، وغفا الغلام، ورقص ملاك الطهر فوق رأسي طفلين
بريئين، وكان القدر في تلك الليلة يحوك خيوط أيامهما.....
***
هب الغلام من رفاده، فتلفت مبهوتاً لا يكاد يصدق عينيه.
وسمع بغته صرؤير المفتاح، ودخل أرسوس والذئب وكان الفيلسوف يتمتم
بصوت متقطع: "لقد أراحها الموت! إنها متخشبة، وكأنها الموت بعينه!:
ونكت النار بقضيب من حديد واستأنف كلامه:
"لولا هومو، لما وجدتها، كانت جثتها باردة متجمدة..ويدها، طننتها قطعة من
الجليد..
كيف ترضى بالموت ومعها مثل هذه الرضيعة؟"
وضحك الفيلسوف، وأردف:
" أصبحت رب عائلة.. بيتي صغير، ولكننا سنتدبر أمورنا"
وكان هومو خلال ذلك يلعق يد الطفلة، وكأنه أم رؤوم، فقال أرسوس:
" سقيا لك ياهومو، أصبحت عماً، كما أصبحت أنا أباً"
وأنثنى ينظر إلى الغلام، وقال وهو يصرف بأسنانه:
"ويلك أيها الصبي! لماذا تضحك؟"
فقال الغلام وهو يرتعش: "إنني لا أضحك!"
وأختلجت أهداب الرجل، وقال بلسان متلعثم: "أنت مخيف...أنت مسكين!"
ثم خطا نحوه فأمسك به، وعاد فقال: "لاتضحك..لاتضحك"
فأجابه الغلام وهو يشرق بدمعه: "إنني لا أضحك"

وسرت قشعريرة مثلوجة في ظهر أرسوس، وأصابه إنفعال شديد، وقال بصوت
متهدج:
" أنت تضحك، فلا تكذب"
ولطمه، ثم قال مسترضياً: " من أنزل بك هذه الكارثة؟"
"ماذا تعني؟"
"متى بدأت تضحك ضحكتك الأبدية ؟"
"لا أذكر نفسي خلافاً لما أنا عليه"
فأشاح الفيلسوف بوجهه وهو يتمتم بصوت يسيل رقة وألماً:
" قبحاً للإنسان! لن يتورع عن فظائع!
أبق يا غلام كما أنت.. أضحك ما شاء لك الضحك"
وأستمر الغلام يضحك .. في الليل والنهار.
وتنبهت الطفلة، وأرتفع صوت بكائها، فأهرع إليها أرسوس بالحليب.
وبزغت الشمس على العائلة الجديدة-على الأب أرسوس، والعم هومو، والغلام
الضاحك...
والطفلة..الطفلة التي فتحت عينيها فلم تبصر بهما
وصرخ الغلام ملتاعاً:- "اواه!"
وعقب أرسوس:
"إنها عمياء..عمياء..ياللشقية !"

---------------------
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:35

لكل عصر رجال.
عاش في ذلك الحين وقبله وبعده نبلاء سطروا تاريخ البلاد بأفعالهم، وعينوا
الإتاه الذي تنهجنه.
فاللورد كلانشار تحمس للجمهورية التي انشأها كرومويل على أنقاض الملكية.
بيد أنه لم يكتب لها طول عمر، فزالت وأسترجع الملك سلطته.
إلا أن اللورد كلانشار تشبث بعقيدته، وأبى أن يتملق الملك، وأرتحل عن إنكلترا
وأقام في قصر قديم في جنيف.
من جراء ذلك صادرت الحكومة أمواله، ومع ذلك فلم يتراجع عن موقفه
استرضاء الملك شارل الثاني.
وبلغ الرجل من العمر أرذله.
وكان قد أتخذ له خليلة إبان الشباب تنتمي إلى الطبقة المترفة.
وأنجب منها إبناً كان مولده في يوم إنهزام الجمهورية وأرتحال اللورد إلى منفاه.
كانت الخليلة من الصفوة كما ذكرنا، لهذا بقي البلاط مباحاً لها.
وكانت جميلة فاتنة، وعرفت كيف تفسح لابنهما المجال في معترك الحياة.
وأحبها الملك، فاتخذها محظية له، وحبا أبنها النغل بأحسانه، فأصبح ضابطاً في
بحرية جلالته، وأحد أفراد الحاشية الملازمة للملك.
وقد اطلق عليه اسم اللورد ديفد موير، فتناسى الناس أنه ابن الزناء ، وأعتبروه
من النبلاء.
وكان أبوه يقاسي شظف العيش في منفاه، وقد هرم وأصابه الوهن.
وأعتلى العرش الملك جيمس الثاني، فنال اللورد ديفد حظوة كبرى لديه.. ولن
نغمط الشاب حقه، فهو وسيم شجاع، وهو خفيف الظل قريب إلى القلب.
وهو إلى جانب هذا كان بارعاً يتلمس طريقه في حذر وتريث.
واللورد ديفد أكتسب من اللقب إكتساباً ممالأة من الملك لأمه.
وتواترت بعد حين شائعات عن موت اللورد كلانشر، وأنه أقترن بامرأة تسمى
آن برادشو قبل وفاته، وأنجب منها طفلاً.
وطمس الملك جيمس هذه الشائعة، ثم أصدر أمراً ملكياً يخطلها، ويسجل في قيود
مجلس اللوردات أن الرجل قضى نجبه دون أن يعقب وارثاً شرعياً، وأن اللورد
ديفد هو وارث أبيه الوحيد، ور يحق لغيره أن يحمل اللقب ويستولي على
التركه، شرط أن يتزوج بفتاة كانت في تلك الأيام طفلة وأحاطها الملك بكل
ضروب الحب، ووهبها لقب الدوقة جوشيانا.
لم يكن إخلالهما بإرادة الملك نفوراً متبادلاً.. بل أن رغبتهما عن الزواج كانت
وليدة أمل جياش في صدر الفتاة في الإحتفاظ بحريتها، وتهافت ديفد على المتعة،
وخوفه من الحرمان أن هو تقيد بأغلال الزواج.
والعجيب أنهما تراضيا على إتباع هذه الحياة المستقلة، وإن كانت عرى الصداقة
تشج القلبين برباط وثيق.
كانت الفتاة ذات رواء..مذهبة الضفائر، مليحة القسمات،ممشوقة ملتهبة الذكاء،
معتزة متعجرفة.
كانت خليطاً متناقضاً من المشاعر، وكانت لغزاً غامضاً.
أما ديفد فكان من أقطاب المجتمع، لبق، أنيق، يحب الميسر والرقص والقنص
والملاكمة..
وكان محترماً موثوق برأيه، ترجح كلمته كفة على كفة.
وله أيضاً علاوة على هواياته الكثير من الميل الخاص إلى الحيل التي يجريها
المشعوذون، ويؤديها المهرجون.
وكان يرود تلك الأمكنة متنكراً، ويمتزج بكل طبقة، حتى عرفه الكثيرون بالبحار
الطيب، لآنه كثيراً ماكان يظهر بينهم في لباس بحار.
وكذلك أطلقوا عليه اسم طوم جيم جاك، حتى أشتهر بهذا الاسم، كما أشتهر بقوته
وبسالته.
وعرفت الدوقة جوشيانا أخباره، فلم تلمه، بل سرها ذلك منه، وأعجبت بشخصه
وعاداته.
***
مات الملك جيمس وخلفه العرش الملكة آنا.
وكانت في البدء لا تضم بين جوانحها إلا الطيبة وحب الناس.
غير أن الحكم سلبها رحابة صدرها، فأضحت بعد سنة متقلبة، تثور وتهيج لأدنى
سبب..
وشاب طيبتها شوائب من الشر وحب الأذى.
كانت إنساناً لين العريكة لا تستطيع التحكم بإرادتها إذا دخلت عوام أخرى في
حياتها..
ولهذا فقدت عادات وتطبعت بعادات بعد أن تسمنت الذروة وأعتلت العرش..
وتطبعت بعادات بعد أن تسنمت الذروة وأعتلت العرش..وسرعان ما مالت
بعاطفتها إلى الناحية التي تجري مع نزغ لاشيطان..
فارتاحت نفسيتها إلى الكوارث والمضائب، وكانت تنزع إلى السخرية والعبث
والفكاهة العنيفة.
كانت بعيدة عن الجمال، عكر جمال الغير حياتها، وأرث نار غيرتها..
وقد نقمت على الدوقة جوشيانا لآنها فاتنة تخلب الألباب..والسبب الأهم في
حقدها، هو أنهما كانتا في الواقع شقيقتين،إلا أن البون كان شاسعاً بينهما، فهي
ملكة، ولكنها ملكة لا يرتاح لمرآها النظر!
ولتك دوقة، ولكنها مطمع كل سمع وبصر...
-----------------------
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:36

الفضول غريزة وطبع، ولكن إنسان يرغب في حيازة مايجد إلى حيازته سبيلاً.
فالدوقة جوشيانا، مع إحتقارها لعاطفة الحب، كانت ترى في اللورد ديفد حقاً لها
دون سواها.
كانت تعتبره رجلاً مملوكاً لا ينبغي على غيرها من النساء أن تحظى منه بطائل،
ولهذا لجأت إلى رجل حقير يدعى باركفلد، فأمرته أن يرصد حركات اللورد.
ومن ناحية أخرى علق اللورد يتتبع أفعال الدوقة بحقير من الرجال ويدعة "
باركفيلد!"
ولم تأنف الملكة من التجسس على الإثنين بواسطة جاسوس يدعة باركفيلد!
فباركفيلد رجل في ثلاثة، باركفيلد مثلث، باركفيلد ثلاثة أجزاء تتعارض
وتتنازع..
ومع ذلك فهي مندمجة كلياً في باركفيلد جاسوس الملكة،والدوقة، واللورد!
خلق في محيط فاسد وضيع، وحاول أن يكتسب إحترام الناس بخبِّه، ففشل،
وتألب عليه البؤس والفاقة، غير أن ضنك الحياة، والحرمان، لم يؤثر فيه، بل
واصل الكفاح وتقدم ببطء.
واشرأب بعنقه إلى الطبقات العليا من الشعب، حيث المال وفير، والجاه له ظل
ظليل.
وتشمم الناس ذلك الصعيد المرتفع في المجتمع، كما يتشمم الكلب قطع اللحم
ليتعرف على أشهاها، ومالبث أن أتخذ له هدفاً في الدوقة جوشيانا..
وما زال يتمسح بأعتابها، حتى شعرت به الدوقة، فأخذت بيده، وقدمته إلى اللورد
ديفد، ثم درجته في عداد خدمها.
وقرت عين الماكر، وامتلأت معدته.
بيد أنه لم يكتف، فهو طموح!
ولما استتب به المقام في قصر الدوقة ومع حاشيتها، تذرع يوماً بحجة تفتقت
عنها قريحته، والتمس مقابلة السيدة الدوقة.
فلما وجد نفسه في حضرتها قال وهو يحني هامته:
" أنا يا مولاتي راغب في العمل، وأبتهل أن تشمليني بمساعدتك فتؤمني لي
وظيفة"
فقالت متهكمة: "وظيفة لك!"
"أجل يا مولاتي"
"أنت أخرق، لآني عجمت عودك"
"لهذا قصدتك بخضوع"
"وأي عمل تفضل؟"
" وظيفة خطيرة، لا مثيل لها..فاتح قنينات البحر"
"ويحك أيها المهرج! أضحكتني!"
"كلا، أنا لا أفكه"
"لم هذا الكلام إذاً؟ سآخذك بحلمي، ماذا تريد؟"
"وظيفة فاتح قنينات البحر"
"حذراً، فأنا غضوبة أبطش بمن يهزأ"
"ثقي أني أبعد ما يكون عن الهذر"
"أيوجد هكذا وظيفة؟"
"أنها موجودة يا مولاتي"
"أنت كاذب..أعد كلماتك"
"وظيفة فاتح قنينات البحر"
"إذا وجدت، فهي تناسبك"
وأطرق باركفيلد وهو يتكلف الغوص في الفكر، وما عتم أن قال:
" ما أكثر أسرار البحر، والحكومة، حريضة على الظفر بكل ما يلفظه البحر،
لآن فيه أموراً خطيرة.
قد يرسل صاحب سفينة خبراً، وهو يرى مركب يتمزق"
"أحقاً ماتقول؟ وهل هناك فعلاً مثل هذه الوظيفة؟"
"نعم، في بحرية الملك/ وتناط برجل يعتبر ضابطاً"
"وظيفته إذا فتح القناني! فكم عددها.كثير؟"
"كلا..والرجل الذي يحظة بها يمنح بيتاً وراتباً مقداره مئة جنيه في السنة"
"تباً لك، أأتوسط في أمر تافه؟"
"المئة جنيه بالنسبة لي ثروة!"
"مادامت هذه نظرتك، فثق أنك نائلها!"
***
برت الدوقة بوعدها، وعين باركفيلد في الوظيفة.
إلا أن اللئيم لم يعترف بفضل..وكان من اللئاموكان يوم تسلم الوظيفة على موعد
مع الشيطان..
فهو ماكاد ينال وطرهن حتى وطن النفس على الكيد للمحسنة إليه!
كانت الوظيفة ذات حظوة، فأنكلترا بلاد تعيش على الملاحة وتحيا من البحر،
وهي لذلك تعبأ كثيراً بالسفن، وتتبع أخبارها، وتتقصى حوادثها.
وكانت البحرية تفرض رقابة دقيقة على الشواطىء، وكانت تجمع القناني التي
يقذف بها الموج..وكان الشخص المنوط به هذا العمل مفروضاً فيه أن يكون أميناً
لبلاده وأمته..كان يفض أختامها، ويقرأ مافيها، ثم يوجهها إلى المعنيين.
وكانت المعلومات مختلفة، فهي تارة تصف تمرداً، وتارة تنبئ عن اصطدام
وغرق، وتارة ثالثة تتحدث عن رياح عاصفة ونؤ هائل.
وقد شاعت هذه العادة، ولهذا كان متقلد الوظيفةمحترماً، خلافاً لما أدخله باركفيلد
في روعة الدوقة!
فهو يستحق الإحترام ويلج القصر الملكي، ويتصل بالوزراء..حتى الملك والملكة
يستطيع أن يخترق الحصار المضروب حولهما..
فالقنينات كانت تحمل فيما تحمل، وصايا الرجال الكبار، أو أوصاف جرائم
هائلة، أو أعترافات خطيرة بأسرار غامضة، أو أخبار صادقة عن أشخاص
يظهرون ما لايخفون، ويبطنون ملا يبينون.
بالتوسل والضراعة توصل باركفيلد إلى شق طريقه، وأستطاع أن يتصل بالملكة
نفسها.
وباتصاله هذا دان له التوفق، وغدا قادراً على الإيذاء!
فهو لايحب المال مقدار حبه للإيذاء..إنسان شيطان..أو عميل للشيطان، ذلك
يشير وهذا يصدع وينفذ...
لقد وسمه اللؤم بميسمه، والحقد بعلامته، فكان أصفر اللون، غائر العينين، خسيساً
وضيعاً..
ما عتم أن تغلغل في البلاط، وعرف أصحاب الألقاب والجاسوسية أمضى سلاح
في يد الخسيس، ولها شأن كبير في كل بلاط، وبين كل حاشية!
وكانت الملكة تحيط نفسها بعدد من الجواسيس حتى تطلع على أخبار حاشيتها،
وأسرارهمن ومايفعلون!
وسرعان ما أضحى من جواسيسهان فجعلت تكل إليه أخطر المهام..وقرت عين
الجاسوس، فنشط سحوك الدسائس، ويدبر المكائد.. ووجه سهمه السام إلى الدوقة،
ثم إلى اللورد..
ولم يذخر وسعاً في استنباط الوسائل لضرب هذه المرأة التي أحسنت إليه، في
صميم قلبها، وتمريغ جبينها المرتفعة شمماً وكبرياء.
إلا أنها لم تحسب له حساباً، أو تشتبه بخبث نواياه، فهي تحتقره وتعتبره مخلوقاً
فسلاً وضيعاً.
وضاعف تجاهلها له مرارته، فوضع نصب عينيه التعجيل في طعنها وسحقها.
كانت الملكة تغار من شقيقتها الدوقة وأكتشف الجاسوس ماطابت له نفسه، وأيقن
أن في غيرة الملكة ينطوي سر النجاح..وعلم أنه بإثارة حفيظة الملكة يفوز
بضالته.
وأتفق في حلبة السباق إن مر اللورد ديفد على جواده، فرأته الملكة، ورآه
باركفيلد، ولغط الناس وقالوا:
" ما أروع الفارس"
وقالت الملكة على مسمع من باركفيلد: "لشد ما أستثقلته"
وشده باركفيلد، ولكنه سر في قرارة نفسه، فقد عرف ماجهله..
علم أن الملكة تغار من شقيقتها، وتأحن على للورد ديفد لآنه صديق شقيقتها
الحميم.
وأيقن أنه يستطيع أن يوجه ضربته القاضية للدوقة.
قكيق ترى ينتقم؟ ومم ترى ينتقم؟
ياللإنسان !
***
كان اللورد ديفد خطيب الدوقة ..فلكل يعرف من أمر الوصية مايعرفه ديفد
والدوقة.
ولكنها لم يستجيبا لرغبة الموصي، فيتزوجا،وإن كانا يجتمعان ويقضيان ساعات
في المتعة والمجون، وفي دور التمثيل، وملاعب الرياضة.
وذهبا في ليلة ماطرة إلى دار كبيرة لمشاهدة حفل ملاكمة، وترأس الحفلة أحد
اللوردات، بينما عين أربعة محكمين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة.
كان الملاكمان أرلندياً وأسكتلندياً.

كان الأسكتلندي في أول العمر، وقد برزت عضلاته، ودلت خطواته على القوة
والصلابة.
وفي الوقت ذاته كان الإرلندي كهلاً مفرطاً في الطول، بدين الجسم/ مما أقنع
الجمهور بأن الأسكتلندي قاهره لامحالة بضربة ساحقة.
أشتد البرد في تلك الليلة. وكان الملع مكشوفاً.
وأعطيت الإشارة فتقدم الخصمان من بعضهما البعض فتصافحا..وما عتما أن
أشتبكا في قتال شرس.
وحمي وطيس القتال، وأنقض الأسكتلندي على خصمه، ولكمه بقسوة، لكمة تفجر
من شدتها الدم..
وطاشت سهام الإرلندي، ولوح بيده في الهواء، ولكم الفضاء، وكأنه يفوض أمر
إصابة خصمه إلى القضاء!
ودار الأسكتلندي دورة نمر وسدد لخصمه لكمه هائلة ترنح هذا أشرها وسقط..
ولكنه نهض بعد لحظات..ودوى الجرس إيذاناً بإستراحة قصيرة.
واستأنف البطلان لاملاكمة،وتناول الأسكتلندي رأس خصمه بين يديه، كما
يتناول الإنسان بطيخة، وأهوى على فكه لكماً ولطماً !
وتخلص الرجل بعد لأي، ورفع إلى النظارة وجهاً دامياً، وتنحنح فسقط من فمه
أربع أسنان!
حان ميعاد الجولة الأخيرة، فتلاحما..وفي لمحة خاطفة شاهد الناس المتلاكمين
يسقطان معاً..
ولكنهم بهتوا ساعة رأوا الكهل يعود إلى الوقوف، بينما أنطرح الشاب دون
حراك.
لق أنتهر الكهل الفرصة، فضربه ضربة ممنوعة ّ
وصفق الجميع.. لقد أنتصر المغلوب على خصمه!
وحمل الشاب بسرعة إلى الخارج، وخرج اللورد ديفد مع الدوقة جوشيانا.

وقالت الدوقة وهما في الطريق:
" كانت مبارة ممتعة، لو لا ...."
فقاطعها قائلاً:
" لولا ماذا؟"
"لولا، أنها زادت من إنقباضي!"
تريث اللورد، ثم هز رأسه وأجاب:
" عندي علاج لك، فانعمي بألا"
"وما هو؟"
"جونبلان!"
"جونبلان ؟؟"
"أجل.. أجل.. جونبلان"
-----------------
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:37

وجه عجيب! شذوذ مفرط في أمائر انسان!
فم يمتد من لأذن إلى الأذن.. أذنان متصلتان بعينيه.. أنف مفرطح مضغوط
داخل الوجه!
تقاطيع تضحك من لايضحك.
فهل أوجده الله بهذه السحنة المشدودة الممدودة المضغوطة؟
أخلقه الله مشوهاً، أم تفننت يد إنسان في تغيير المعالم، وتبديل الامائر، ومسخ
الوجه طولاً وعرضاَ؟
أجل..
لقد تناولته يد إنسان بالتشويه،فمزق الفم وضوعف إتساعه.. وقطع من الشفتين
جزآن، حتى ظهرت اللثة بصورة دائمة، ومغطت الأذنان..
وداعبت اليد المجرمة الجفنين والخدين، مخرجة من كل هذا مزيجاً من التناقض،
عرف فيما بعد باسم جونبلان!
تنقل جونبلان من مكان إة مكان، فأضحك الحزين، وأرغم الثاكل على الإبتسام..
ما أكثر ما أضحك، فهل كان هو يضحك؟ هل ضحك جونبلان؟ كلا..كلا..
لم يضحك قط!
وإذا فرح ضحك.
كان ضحكه الأبدي يرسل الرجفة إلى القلوب..فالرجال يضحكون ثم يشيحون
بوجوههم، والنساء يضحكن ولكن بخوف ظاهر!
مشوه! وتشويه خلقه رهيب.. أما تكوينه، فكان رجلاً بكل ما في الكلمة من
معنى-بنية ممشوقة، وقوة تتبدى في حركته، ويدان كلهما عزيمة وصلابة.
فمن هو جونبلان؟؟
من غير الغلام الذي تركته العصابة ورائها، على الشاطئ في خليج بوتلاند، في
تلك الليلة المطيرة منذ سنين، وكان مصيره مجهولاً، مرتبطاً بمصير أرسوس
الفيلسوف، وذئبه هومو، والطفلة اليتيمة التي التقطها عن صدر أمها؟
ما وافى عام 1705 حتى شب جونبلان عن الطوق وأصبح في عنفوان الشباب.
وكان أرسوس قد أعتنى به وبالطفلة، وكون منهمابعد مدة ومن ذئبه أيضاً فرقة
متجولة، تلعب وتهرج وتتقاضى دراهم معدودة من كل متفرج.
وبلغت الطفلة عامها السادس عشر، وأكتمل تكوينها، فإذا بها فتاة جميلة هيفاء،
دعجاء العينين، ينبثق منهما نور عجيب، ولكنه نور خامد لا يرى ولا يبصر-
كانت عمياء !!
لم تخلق عمياء، بل الزمهرير الذي أودى بأمها، طمس بصرها، فنشأت عمياء لا
تبصر..
لم تر شيئاً، ولم تر وجهاً، ولاشمساً ولا قمراً..
ومع ذلك فقد انبأها حسها أن المشاهد تزخر بها الدنيا، فيراها الناس..
ولهذا نطقت نظرها بألم دفين وحزن مرير.
وكأن أرسوس أراد أن تمتد فلسفته لكي تتصل بسخريته، فأسماها نورا لعل الفتاة
ترى في هذا التناقض خير عوض لها!
وكان قد سأل الغلام عن اسمه، ولما أخبره أنه يعرف باسم جونبلان، رأى أن
يستبقي الغلام هذا الاسم.
وتعاون المشوه والعمياء في العمل.. وكان الإندماج مأساة وأي مأساة..
كان عنواناً صارخاً للظلم والطغيان.
كان جونبلان عيني نور، وكانت نور وجه جونبلان!
وأنعدم الأمل في محيط حياتهما-فجونبلان يعيش بلاوجه، ونور كانت مكفوفة..
وهكذا أنعدم الأمل ...
عاشا بلا أمل، يكتنفهما شقاء، ويحيط بهما عناء!
بيد أن الزمان كان يتمخض عن حدث مذهل، وما عتم التمخض أن أسفر ميلاد
حب!
عاشا بلا أمل، ولكن آصرة حب شرعت تشج بين القلبين، حتى استحال الشقاء
سعادة، واستحال اليأس أملاً وعاشا بأمل.
أحبها وأحبته-أحبها حب العابد، وأحبته حب العابدة!
ورنا إليها بعينين جاحظتين، ومررت أناملها على وجهه وهي تقول:
"ما أجملك! ما أروعك!"
"نور..."
كان جونبلان يهتف:
"أحبك..."
وكانت تجيب: " جونبلان ما أسعد قلبي بك!"
فهي الأنثى الوحيدة التي شعرت بكيانه وقدرته..وقد أنبأها أرسوس بما فعله من
أجلها، وكيف أنقذها.
وحفظت نور له هذا المعروف.. فلولاه لما وجدت، بل لكان مصيرها الموت
والهلاك.
كانت تعتبره المنقذ والمرشد والهادي، في حين كان الناس يعتبرونه ضاحكاً..
فهم لا يستشفون مافي الأعماق!
كانت ترتاح إليه وتنعم بحديثه
قلبان مكلومان مستهما يد الرحمة، فاتحدا وأندمجا، وأرتاش هذان القلبان ليطيرا،
وطارا محلقين فوق الرءؤوس بقلبيهما حلقا، لآن فيهما خلق شعور سام نبيل..
وشاهد أرسوس التفاعل العجيب، فقرت عينه..فهو فيلسوف يفقد أحاسيس الاب..
وقد أحب الأثنين وكلأهما بعنايته.
لم يستقر بعهذه الأسرة الصغيرة مقام، كانت تنتقل سعياً وراء الرزق، ولم يعق
هذا أرسوس عن تلقين جونبلان دروس الحياة، وفلسفة الحياة.
كنا أنه علم نور فن الصوت،أي فن الغناء بالطريقة التي يتطور فيها الصوت من
أحسن إلى أحسن.
***
سارت المركبة في الطريق الخصبة المفضية إلى القرية.
في ليلة باردة من شتاء 1704، وكان يجرها جوادان، وفد أكتست باللون
الأخضر، وعرفت بين الأهلين بالمسرح الأخضر.
كان المراقب يرى في جانبيها كوتين صغيرتين، وفي مؤخرتها باب متوسط
الحجم، يليه سلم خشبي غير ثابت، ولو رفع المراقب رأسه إلى أعلى المركبة
لشاهد مدخنة سوداء.
كان سائئقها رجلاً هرماً يتوسط امرأتين من الغجر،منشغلتين بالدق على طبلتين،
ووراء المركبة سار حيوان مريب الشكل!
هذه هي مركبة أرسوس وقد حالف أصحابها النجاح بفضل جونبلان، فادخلوا
عليها التحسينات وجعلوا منها ملهى متنقلاً بين المدن والقرى.
فأرسوس درب الغلام، ثم أخذ يعرضه على الناس.
وأحدث بروزه في الأمكنة العامة ضجة عظيمة، حتى أصبح ظهوره في مكان ما
كافياً لإهراع الناس.
وكان الأطفال يخافونه، ولكنهم لم يهربوا منه.
تضاعف دخل أرسوس، فحفزه الكسب إلى مواصلة السعي.
وتعاقبت الأيام، وزاد الخير، وتضاعف الدخل، فجدد أرسوس مركبته، وأضاف
ألعاباً كثيرة إلى ألعابه، وأبتاع جوادين، وأكترى المرأتين.
كانت الغجريتان دميمتين، أطلق أرسوس على الأولى اسم فيبي، وعلى الثانية
اسم فينوس، وكان عملهما قرع الطبول، وخدمة المركبة وتنظيفها.
قسم أرسو المركبة إلى ثلاثة أقسام، فصل بينها بسجف صفيقة.
القسم الأول خصص للرجال، والقسم الثاني للنساء، أما القسم الثالث أو الأوسط
فقد أفرد للمسرح، وصنع له باب يرتفع وينزل بسلسلة، ويستعمل كمسرح
تعرض عليه الجماعة ألعابها.
ولو أن المسرح أحياناً كان يقام في باحة تتوسط البيوت.
أما أرسوس، فكان مدير التمثيل، والعازف، والموجه.
وكان بارعاً في محاكاة الطير والحيوان في أصواتها، ويتكلم، فلا تتحرك شفتاه.
أما الذئب هومو، فيتصرف كإنسان ذي غقل وفكر، فيقف في أدب جم، ويلازم
أرسوس حينما يتنكر في إهاب دب أبيض..
حتى تعذر على الكثيرين التفرقة بين الإنسان والحيوان، كلما برز الأثنان على
المسرح.
ووضع أرسوس فاصلاً تمثيلياً لجونبلان ونور، أسماه أنتصار الإنسانية، وكان
المشهد الأول عبارة عن مكان مظلم يقف فيه أشباح ثلاثة لإنسان ودب وذئب،
وكان الذئب هو هومو، والدب أرسوس متنكراً، والإنسان جونبلان.
والدب والذئب هما الوحشان الضاريان، أو الغدر والجهل، وعدوهما اللدود هو
الإنسان الذي يركزان عليه في هجومهما، فيدافع عن نفسه، ويستغيث، فتختلط
أصوات الإستغاثة بزمجرة الجهل والوحشية.
وتخور قواه، فينهار وتفتر حركته.
وتهدأ الضجرة المفتعلة وينصت المشاهدون، وكأن على رؤوسهم الطير.
ويرتفع على حين غرة صوت شجي يغرد ويغني..
ويعلو الصوت، ثم تتقدم نور بوجهها الحلو، فيستمد الإنسان المتهافت من صوتها
قوة تفوق قوته، فيثب بخفة ويهاجم الوحشين ويجهز عليهما.
وتنبعث من جهة ما نار باهرة، فتسقط على الإنسان..
وترتفع أصوات الضحك حينما يشاهد الجمهور وجهاً عجيباً مضحكاً..وترن
الضحك في سمع جونبلان كأنها مطرقة تدق رأسه.
هكذا عرف جونبلان بالرجل الضاحك.
على أن معظم النظارة كانوا من المعوزين، وكان جونبلان يقرأ في وجوههم
كلمات البؤس والحرمان.
ورب متبطل جاء ليزجي وقته، ورب متشرد جاء ليسرق.
ولطالما فكر جونبلان في شقاء الإنسان..كان يفكر كثيراً، وكان قلبه يبكي..
ولكن وحهه كان يضحك إلى الأبد.
وتمنى أن يساعد هؤلاء المملقين، إلا أنه كان مملقاً.. ولهذا أكتشفى بالشعور
معهم.
وغاب عن باله أنه يساهم في التخفيف عن الفقراء، وفي التفريج عن كرب
البؤساء-إنه ينتزع الشقاء من قلوبهم..أجل..إنه يضحكهم!
والضحك ترياق..الضحك أمل..الضحك إبتعاد عن البهيميمة.. والإضحاك فن
قائم بذاته.
***
كتب على المركبة بأحرف صغيرة:
" عجيبة خارقة..رجل شوهه المجرمون وهو طفل، وعثر عليه صدقة على
شاطئ بورتلاند..شاهدوا جونبلان الرجل الضاحك، وأضحكوا معه حتى الموت!"
أجل....
أضحكوا مع جونبلان حتى الموت..
وأبكوا!!

------------------
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:38

لم يضحكوا في لندن، لآنهم ما رأوا جونبلان!
تضاعف الإقبال، وكثر ماجناه أرسوس، وفتح الرجل الفيلسوف عينيه فرأى غنى
بعد فاقة.. ولعل الغنى نأى به بعض الشيء عن فلسفته وتصوفه.
أرسوس الكهل، أو الشيخ بعبارة أدق، جعل يبحث عن المزيد من المال بعد نجاح
جونبلان، ولكنه لم يجد في القرى ضالته وطن النفس على التوجه للندن، ففيها
مايصبو إليه.
في ذلك الزمان لم يكن في لندن سوى جسر واحد يعرف بجسر لندن، كان هذا
الجسر متصلاً بإحدى ضواحي العاصمة، وهي ناحية ساوثوورك.
وكانت تمتاز بطرقه الضيقة، ودروبها المختلطة.
وقد خصصت البلدية ميداناً فسيحاً وهو ميدان ترنزوللألعاب المسلية، إلى حيث
يتوافد الناس لمشاهدة الممثلين والمهرجين.
وأقام المسؤولون في جهات متعددة حانات كثيرة يقصدها طلاب اللهو لاحتساء
الكؤوس، أو لتناول الطعام.
كما أقيم فندق صغير يعرف بفندق تدكستر، وكان صاحبه نيكولس رجلاً أشتهر
بالخوف من القانون، فهو يبتعد طاقته عن المشكلات التي تفتح الباب ليدخ منه
رجال السلطة.
واستخدم في فندقة خادماً يدعى جو، وهو صبي لا يتجاوز الخامسة عشرة، وقد
كلفه اسيده بجميع الأعمال، وأفرد له وكراً معتماً في قبو الفندق لينام فيه.
كان الوكر يفضي إلى الميدان الكبير.
وأتفق في إحدى ليالي 1705 القارسة البرد، أن مر إنسان يتزياً بملابس البحر
في ذلك الميدان، فتريث واصاخ.. فقد طرق سمعه صوت رجل يتكلم جهيراً
ويحث الناس على شيء.
وكان يرافق الصوت الجهوري ويتخلله أصوات لغط.
أصاخ صاحبنا وأستطاع أن يتلقف المعنى، كان الرجل يقول: "أيها الناس،
جئتكم، لانكم أعظم أهل الأرض طراً.. لآنكم شعب يتشوف الأبصار إلى التهام
غيره..وهذا عمل جبار، يشترط بصاحبه أن يكون جباراً"
"تفوقتم على سائر الخلق في السياسة والكسب والتحكم بمصائر الشعوب، والتفنن
في سلب هذه الشعوب.. ولست قاصداً القدح فيكم يا أهل لندن، بل أستهدف
مدحكم وعلاء شأنكم.
"إنني حيوان، بل وحش! إنني دب لا يقول إلا ما يشعر به، ولهذا أمدكم
وأطريكم!
أنا دب، ولكن حكمتي فائقة، فأنا طبيب..أجل طبيب! وأنا فيلسوف أعلم الحكمة،
ولكن، هل أعلم حقيقة ما أعلمه للناس؟ لا أدري!
أنا طبيب وفيلسوف، أبيع دوائي بأبخس الأثمان، وأبيع أفكاري بلا أثمان،
فأنصتوا وأرهفوا السمع. أنظروا ملياً إلى وجهي وإلى مسرحي، سترون مخلوقاً
مدهشاً يضحك من لا يضحك.. ستضحكون وستبكون.. ستفكرون، وستستغرقون
في الفكر متى كلمتكم!
والآن، سأعرض عليكم أعضاء فرقتي.. نحن أربعة.. أتفقنا فيما بيننا أن نلاشي
شجونكم، ونزيل همومكم..
نحن أربعة، أولنا ذئب مخلص، يفهم أكثر منكم، ويعلم مالا تعلمونط، ويفلسف
كما لا تفلسفون.... وهو محتشم، رزين، متواضع.. وهو كريم يجهل مخلب يده
اليمنى مايوجد به مخلب يده اليسرى.
الثاني، إنسان شق فمه من الأذن إلى الأذن. إنسان غدر به الإنسان، ولكنه
ترعرع ليغدو نقطة تحول بين الفرح والترح، والضحك والبكاء!
والثالث، فتاة هيفاء غدر بها الدهر فسلبها نعمة النظر.. ولكنها رغم احتجاب نور
عينيها، بصيرة تعي وتفهم! إننا جميعاً مكفوفو البصر-فالشيخ ضرير، لآنه لا
يرى إلى على ضؤ الذهب.. والغني ضرير، لآنه لا يبصر الدنيا كما خلقها
ربها.. والمومس ضريرة، لآنها لا ترى في المرآة غضون وجهها.. وأنا
كفيلسوف أشدكم عمى، لأني لا أعترف بجهلي.. ثم، إن اللص ضرير، لآنه لا
يرفع نظره إلى السماء.. والخائن ضرير، لآنه يغمض عينيه متى ما مر به
صادق شريف.. وكل من يتكلم معكم ضرير، لآنه لا يعترف بأنكم عمي صم
لاترون ولا تسمعون.
نحجن إذاً سواسية في الحكمة والسفه، في الأبصار والعمى، في العلم والجهل،
في البسالة والنذالة...
وفوق كلنا تستوي نور-أو تعلمون من هي نور؟ إنها العمياء المبصرة.. إنها
الحكيمة التي لا تفوتها شاردة أو واردة.. إنها النور ولو كانت عيناها لا تبصران
النور!
أنا عالم أفكار، وطبيب أعالج وابرئ.. أنا أديب وشاعر، لا أغضب ولا أثور،
بل أتقبل الأمور مهما شقت بحلم وصبر.
أصقلت عليكم بكلام لا طائل تحته، فلننتقل الآن إلى جو بهيج ينسيكم متاعبكم
وغمومكم!"
وصل البحار، أو المتنكر في زيه، وأنثنى إلى الفندق فولجه. ودخل الساحة
الغاصة، فوقف يتأمل.. ورأى مركبة تنبسط أمامها أخشاب مدعومة بركائز،
وعليها وقف شيخ يتلفع بإهاب دب، وإلى جانبه، وقف شاب خيل إليه أنه مقنع،
وفتاة عمياء.. وذئب حقيقي!
ودهش الرجل، فصاح وكأنه وحيد: "رائع! فرقة مدعشة، ظريفة، ظريفة!"
كانت الفرقة قد وصلت إلى لندن وأتخذت لها مقراً في ناحية ساوثوورك، حيث
كان من الطبيعي أن تستقر.
فأصبحت شرفة الفندق بمثابة القاعة التي يحتشد فيها الجمهور.
وأتفق مع صاحب الفندق على الأرباح والنفقات، ووضع لافتة على الباب الكبير
يدعو فيها الناس إلى مشاهدة الرجل الصاحك، والذئب العجيب، والدب المتكلم.
ثم علق لافتة أخرى في مكان منخفض كتب عليها: شاهدوا مسرحية إنتصار
الإنسانية.. أعظم مسرحية لأعظم فيلسوف، لأعم ممثل..
وفي مكان وسط في الشرفة، أقيم حاجزان، وصف عدد من المقاعد الوثيرة
ليحتلها الأشخاص المرموقون.
إلا أن هؤلاء النبلاء لم يأتوا، وظلت المقاعد خالية خاوية.
وغصت الشرفة، وكثر دخل الفرقة، ونضب تبعاً لذلك دخل الفرق الأخرى
العاملة في تلك الناحية.
وما كان النجاح الذي حازته الفرقة إلا إنعكاساً لشهرة جونبلان.
وقد دخل الحسد قلوب أصحاب الفرق الأخرى، مما أرث نار غيظهم وحقدهم
على جونبلان.
واظب البحار على الحضور في كل ليلة. كان يجلس بين الفقراء، فيبدو برأسه
المرتفع أعلى منهم وأرفع منهم.. كان يقبل على المشاهد بحماسة منقطعة
النظير.. فيهتف للممثلين، ويصفق بشدة، ويلجأ إلى العنف متى حاول أحد منعه
من الجلوس في مكانه المختار.
واظب البحار على مشاهدة العرض، وأصبح أكثر الناس عطفاً على جونبلان،
وقد لاحظ أرسوس وجونبلان إقبال الرجل على مشاهدة الألعاب، فارتاحا إليه،
وأتخذا منه صديقاً وظهيراً، مع أنهما لم يتبادلا مع كلمة واحدة.
وحث الفضول أرسوس ذات ليلة على التحكك بصاحب الفندق، وسؤاله عن
البحار. وقد جاءه في الإستراحة، وقال له بتودد:
"من هذا الرجل يا نيكولس؟ أتعرفه؟؟"
فأجاب نيكولس قائلاً:
"نعم، إني أعرفه"
"من هوي؟"
"بحار .. أما ترى ملابسه؟ واسمه توم جيم جاك!"
لم تتصل الفرقة بأي إنسان رغم نجاحها الباهر، بل لاذت بمركبتها لتوفر على
نفسها متاعب الإختلاط ونكبات الإنفتاح!
إلا جونبلان.. فقد شذ عن القاعدة، وطفق يغادر المركبة بعد إنتهاء التمثيل،
ليمشي ساعة، فيفكر ويتنفس ملء رئتيه.
وكان يقفل راجعاً في منتصف الليل، فيتأمل في كل شيء، حتى إذا اطمأن إلى
أن المركبة سالمة والجماعة نائمة مطمئنة، أنتجع الفراش، لتلم به الأحلام،
فيزوره طيف نور، فيخاله ملاكاً هابطاً من السماء....
أهاج أقباس الناس عوامل الغيرة في قلوب الكثيرين كما قلنا، فحقدوا على
الضاحك، وودوا لو أستطاعوا إبعاده، ولو بالكيد والوقيعة.
بدأوا بحضور حفلات الفرقة لإحداث الضوضاء وتنفير الناس. وأغتم أرسوس
وجونبلان، ولم يجدا في نفسيهما القدرة على مقاومة المخربين.
بيد أن الفرج جاء من باب آخر، فقد لاحظا بعد أيام أن البحار أخذ يتصدى
للمشاغبين بقسوة، ولا يتردد عن منازلتهم، فشنوا حملة شعواء مستهدفين منها
التأثير في رجال الحكم ورجال الدين.. فعاضدهم رجال الدين، لآنهم هم
الآخرون، لمسوا خطر أرسوس، وأيقنوا أن جونبلان شغل الناس عن دينهم.
ونسب إلى أرسوس تهمة الشعوذة الملحدة، ألصقت به فرية الكفر والزندقة..
وأستفحل الخطب، فقيل أن الرجل الساحر يقهر الحيوان، وينطق الذئب، ويحيل
من الحجارة أشياء نابضة متحركة!
وحكم على أرسوس وجونبلان ونور وهومو بالموت حرقاً، هذا مابدا في الجو،
وأيقن منه أصحاب الملاعب الأخرى.
بيد أن للرأي العام سطوة ونفوذاً، ردعا رجال الدين وأخافا رجال السلطة..
ومضت الأيام واعداء أرسوس يتربصون به الدوائر.
وأتفق في ليلة، وجونبلان يجمع المال، أن عثر على قطعة فضية مطبوعة برسم
الملكة أنا.. وتمتم جونبلان بكلمة نقمة على الطبقة الحاكمة.
وسمع أروسو الكلمة، فانتحى به جانباً، وأوصاه بالحيطة والحذر..
ولاشى تعاقب الأيام خوف أرسوس، وأن لم يقلع عن عادته في مراقبة الناس
والإصغاء لما يقولون.
وبينما هو في يوم ينظر من نافذة المركبة، إذ به يجفل ويفر اللون من وجهه..
وبسرعة أومأ إلى جونبلان وهو يقول: " أسرع، أنظر، أما ترى؟ "
فأجابه جونبلان بدهشة: "وماذا أنظر؟"
" أما ترى الرجل المتشح بالسوداء؟ إنه رجل رهيب يدعى الضابط الأسود.. إنه
القانون، وهو فوق القانون! "
"ماذا يحمل في يده؟"
"العضا الحديدية، ليمس بها من يشاء"
"يكون المسكين من الهالكين! فمتى لمسك بعصاه تضطر إلى السير وراءه!"
"إلى أين؟"
"أنى لمثلي أن يعرف"
"هذا أمرٌ عجيب"
"وهو لايتكلم، فعصاه وحدها هي التي تنطق!"
"وهل بلغ الظلم هذا الحد!"
"إنه عصرهم، والعصا أقوى من الأمة!"
"وإذا عصا الإنسان أمر العصا؟"
"يكون مصيره الموت شنقاً"
ومر الرجل الأسود بسلام، فزال خوف أرسوس وقال:
"لا أرجعك الله! لا أراني وجهك! لا أشعرني بعصاك!"
***
جرى مالم يكن في الحسبان، ورأى الممثلون ذات ليلة بعض الناس في المكان
المخصص للأشراف.
في تلك الليلة، رفع الستار عن المشهد الأول للتمثيلية أنتصار الإنسانية، ونظر
أرسوس وجونبلان فشاهدا سيدة رفيعة القدر، عظيمة الحسن، أنيقة الملبس.
ولاحظا أيضاً أن الجمهور كان مأخوذاً بمفاتن المرأة، وأن البحار توم جيم جاك
كان أكثر الناس دهشة وتعجباً.
وكان يقف وراءها خادم نحيل العود يرتدي ثياباً من القطيفة، ويضع على رأسه
قلنسوة تبرز منها ريشات بيضاء.
وأذكى وجودها نار الحماسة في قلوب الممثلين، فبذلوا جهدهم في اداء أدوارهم.
كما أن وجودها ألهب شعور المتفرجين، فهتفوا وضحكوا، وكان توم جيم جاك
أكثرهم ضحكاً!
وأنتهى التمثيل، فأطفئت الأنوار ولاذ أرسوس وجماعته بالمركبة، حيث أفرغ
كيس النقود على المنضدة فأثار عجبه ليرة ذهبية تتدحرج ثم تسقط على الأض.
والتقطها الفيلسوف وقلبها بين يديه وهو يقول بنشوة المنتصر:
"إنه جنيه من الذهب، وقد بذلته المرأة ولا شك، فسقيا لها!"
وجاء صاحب الفندق في تلك الفينة، وحسر ستار النافذة وهو يقول ويشير
بإصبعه:
" أنظروا، هاهي السيدة.. إنها أعظم شأناً مما ظننا!"
ونظر أرسوس وجونبلان، فشاهدا والعجب آخذ منهما، عربة يحف بها الخدم،
ويتقدمها حاملا المشعلين!
وفغر الأثنين فميهما، وتتبعا العربة بنظريهما.
حتى إذا غابت عن العيان، أستدارا فواجها صاحب الفندق بنظرة متسائلة:
وقال الرجل وهو يضحك مسروراً: "غنها أميرة"
وقال أسوس: "وأجل .. ونسيج وحدها!"
وقال صاحب الفندق: "والأعجب من هذا كله كان رجلاً مغموراً برفقتها في
العربة"
وقال أرسوس: "ومن ترى الرجل؟"
قال: " سيتولاك العجب، إنه توم جيم جاك!"
فصاح أرسوس: " أتقول الصدق؟ أرافقها البحار؟!"
قال: "هذا ماقلت وأصر عليه"
وكانت نور منتبذة ركناً من المركبة، وقد أنصرفت عن الجميع وأخذت تفكر
بحبيبها، فجونبلان أسحوذ على تفكيرها وأمتلك شغفها.. فلما سمعت كلامهم عن
المرأة الفاتنة، أنشأت تقول: "أما من طريقة نمنع بها السيدة عن المجيء؟"
والتفتوا إليها بدهشة، ولم يجيبوها.
***
غريزة المرأة قوة عظيمة.
وغريزة نور جعلتها تتلمس السلام وتطلب منع المرأة من المجيء.
دخل جونبلان قلق واضطراب، ساعة رأى السيدة الرفيعة.. أحس بنفسه تتجه
إلى السيدة المتناهية الحسن، وشعر أنه أكتشف الحقيقة وعلم كيف تكون الأنثى!
وتذكر كلام أرسوس عن الطبقة المترفة، وطريقة حياتها.
وصور له الخيال تلك الحياة في أبهى صورة، فتاق إلى تذوق حلاوة تلك الحياة.
ومثلت له المرأة بمحياها الوسيم واسنانها اللؤلؤية.. ومثلت له الحجرة التي تنام
فيها، فخفق قلبه!
مما هذا الإحساس المتدفق الذي يفيض من قلبه ؟
حاول أن يتخلص من أفكاره، وأن ينأى بها عن المرأة الحسناء.. حاول أن ينام،
ولكنه قضى الليل مؤرقاً!
وأشتهى-والشهوة غريزة تنام، ولكنها تستفيق بغتة لتطالب بحقها!
أشتهى هذه المرأة، وتقلب على فراشه وهو يتأوه، لآن شعوره أقنعه أن دون
بلوغه الوطر خرق القتاد.. ولكنه مع هذا، فكر، وتاق، وأشتاق..
فهل يهشق حلماً؟ هل يعشق طيفاً؟ هل يعشق نجماً؟
وصاحت الديكة وخمدت مع تبليج الفجر النار المندلعة، وأنتصر النور على
الظلام.. ونام جونبلان.
ولم يفكر في الأيام التالية إلا بحبيبته نور..حبيبته، ورفيقته، ومسعدته!
لم تظهر تلك الحسناء مرة ثانية، فما عبئ أرسوس بغيبتها، بل قال يوماً في
معرض الحديث: "إنها ومضة برق شعت ثم أختفت"
وأغتبطت نور وسرت، فقد تلاشى الخطر الذي يبرز من الغيب غي إهاب
مزاحمة.
على أن توم جيم جاك أنقطع عن المجيء هو الآخر، وأقلق هذا التغيب بال
أرسوس وجونبلان، وتاءلا عن السبب، وعن العلاقة التي تربط بين البحار
الوضيع والسيدة العظيمة!
ولو قرأ ارسوس الصحف لعلم أن اللورد ديفد قد نزح عن البلاد صدوعاً بأمر
الملكة، التي عينته أميراً على البارجة المقلعة إلى الأراضي المنخفضة.
لو كان يقرأ، لأدرك أن هناك صلة بين اللورد وبين توم جيم جاك!
بل لعلم أن الرجلين رجل واحد!
وأما غير ذلك، فقد زال الخطر الذي جسدته مكائد أصحاب الملاهي، فكفت
الكنيسة عن ملاحقة الملحد أرسوس، واستأنفت الفرقة نشاطها، فجمعت المال
ونالت الإعجاب.. وأقبل عليها درر الجاه واليسار زرافات زرافات.. وقد جاء
الكثيرون متنكرين مستخفين!
***
أنتهى التمثيل وأنقضى من الليل قطع كبير، وغادر جونبلان المركة في
جولته..وكان السكون مخيماً، والنسيم عليلاً منعشاً.. فطابت نفسه، واطمأنت
روحه، فمشى مرتاح البال يفكر بنجاحه وحبه.
وبينما هو في حالته تلك، شعر بشيء يوضع بين يديه.
فوقف مذعوراً، ثم التفت.. ورأى أمامه رجلاً صغير السن ربع القامة يضع على
رأسه قلنسوة تبرز منها ريشات بيض.
وتذكره جونبلان.. تذكر أنه خادم تلك السيدة.
وابتدره الخادم قائلاً:
"أذهب في الغداة، في مثل هذه الساعة إلى جسر لندن حيث تجدني في إنتظارك!"
فقال جونبلان مشدوهاً: "وماذا تطلب؟"
قال: "سأصحبك إلى شخص ما!"
وأختفى الرجل في أحشاء الظلام. ونظر جونبلان إلى الورقة ثم أنثنى راجعاً.
وهناك قرأ مافيها، فخيل إليه أنها كلمات خطها مجنون، أو أنه مجنون يقرأ ما لم
يكتب.
قرأ جونبلان هذه الكلمات:
"ما أبشعك، وما أجملني! أنت ضحاك وأنا دوقة! أنت من الدهماء وأنا من
الصفوة! ومع ذلك فأنا أحبك وأشتهيك، وسأنتظر مجيئك غداً!"
وحملق جونبلان غير مصدق.
أترسل الحسناء البارعة الجمال في طلبه؟ أتشتهي رجلاً مثله؟؟
ألا يكون ناقص العقل لو ذهب؟
أليس كاتب الرقعة ماجناً؟
أم هو مجنون؟!
--------------------
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:39

أيقن جونبلان للوهلة الأولى أنه مخبول، وإلا فكيف يعتقد أن الرقعة كتبتها امرأة
رفيعة الشأن!
غير أنها رقعة دبجتها يد امرأة، وهاهو عنوانها يدل عليها.
وما برح يتلو الرقعة حتى استيقظت غريزته، وأحس بأنه فقد صبره.
أنه لأمر مدهش، فكيف يقع هذا؟
كيف تشتهيه غادة فاتنة وتطلب إليه أن يلتقيها؟
ورآها بعين خياله متلفعة بغلالة بيضاء تشف عن حسن باهر، وتقاطيع شهية.
إنها لأعجوبة، وإلا لما نزلت إلى الهوة السحيقة التي يعيش في قلبها.. هو القبيح
المشو.
أرتعش جونبلان، وشعر بضميره يتقهقر مستخذياً.. شهر أن للشهوة جنوداً تمهد
لها الطريق.. شهر أن الهوة سلاحاً لا يقوى إلا عزل على مقاومته.
وتفتحت عيناه، ونشب في قلبه قتال بين الشهوة والعفة.. وأستقر في الجسد نار
أكالة.. لقد تبدل كل شيء!
فكر بنور فأوشك على البكاء، ونظر إلى الساعة، فإذا هي تتجاوز الثانية صباحاً،
فوضع الرقعة في جيبه ودلف إلى حيث ينام الخادم جو.
ثم عاد أدراجه فأوصد باب الفندق، وصعد إلى المركبة وأستلقى على فراشه.
وأغمض عينيه، فأجفل النوم..حاول أن يستسلم للرقاد فجفا الوسن مقلتيه.
ومضى الوقت وهو مضطرب، يضرب أخماساً لأسداس، ويضل في تيه من
الفكر.
وظره الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وفكره مازال أسود مظلماً.
وتنحنح أرسوس وغادر فراشة، فلم يتحرك جونبلان، إلا أن أرسوس قال
مستفهماً: "ما بالك يا جونبلان؟ إنهض!"
وتململ جونبلان، قم أستوى جالساً، وأجال طرفه في المكان، وكأنه يراه لأول
مرة، وشاهد نور تدنو منه فرماها بنظرة من يستوحش من شخص.
ووقفت وأصاخت، لتسمع من حبيبها تحية الصباح، ولكنه رنا بنظرة المتعب إلى
الوجه الملائكي.. وأحس في تلك اللحظة بثقل مريع يرتفع عن صدره، وبالظلام
الحالك ينجاب وينحسر.
الخير أنتصر في قرارة نفسه.. والضمير أستيقظ.. ورأى في العمياء ما بدد
شكوكه وهمومه.
العمياء التي شق اسمها من النور تطل عليه من عليائها، فتنجيه من أفكاره
السوداء.
ونظر إلى الطهر المجسم في العينين المكفوفتين، وسقطت على خده دمعة تحمل
من المعاني ما لا تحمله المجلدات!
***
أغتبط جونبلان لإنتصار الخير على الشر في قلبه، فنهض مستبشراً منشرح
الصدر، وماهو إلا قليل حتى جلسوا إلى مائدة الإفطار الصغيرة.
وأنتهز جونبلان الفرصة فأدنى رقعة الغرام من لهب المصباح، فاحترقت
وأحترق معها خيال الحسناء التي أرسلتها.
واشتمت نور رائحة الإحتراق فقالت متسائلة: "مالذي يحترق؟"
وقال جونبلان: "ورقة بيضا، فلا تفزعي!"
لم يتسرب الشك إلى قلبها، وأفتر ثغرها عن بسمة وضيئة، وجاراها جونبلان
فابتسم.. لقد تححر من القيود، ولا يغله إلى عجلة الحب إلى قيد نور!
وتحدث المحبان حديث القلوب، وأصغى أرسوس في صمت وأطرق الحبيبين
المسترسلين في مطارحة بريئة.
وقالت نور وكأنها تناجي نفسها:
" أنت حياتي ونور عيني.. أنت القوة التي تحبب إلي الحياة.. أنت نبراسي..
أخاف أحياناً، فيبدد خيالك خوفي، ويلاشي همي وغمي"
وقال يجيبها بصوت ينطق بالصدق والإخلاص:
"نور! أنت المعنى الخالد لي.. أنت السلوى والسلام"
وتنحنح أرسوس وقال وكأنه يؤنب العاشقين:
"أنتما تحبان بعضكما بعضاً إذاً .. ألا تعلمان أن السعادة أحياناً جريمة؟ ألا فاعلما
أن السعيد متى كشف عن مشاعره يتيح للشر باباً موصداً، وهذا الحب الذي
أندتما نشيده، خيال يجسمه الوهم.. أما أنا، فما أنا حارس حبكما، فاغربا عن
وجهي.. لاتسمعاني من هرائكما ولغوكما مايزيدني برماً وضيقاً!"
ولكن الشبخ أدرك مما ارتسم على وجه الحبيبين، أنهما أخذا كلامه مأخذ الهزل،
فسارع يعقب وهو يقطب:
" أنا لا أفكه، بل أقول ماينبغي أن أقول!"
وأبتدرته نور: "ما بالك تنحي علينا باللائمة يا أبي؟"
قال: "لآنكما متهوران تظنان الدنيا طيعة سهلة القياد.. وأعلمي، وأعلم، أن على
الإنسان أن يتحفظ في إعلان سعادته!"
وقال جونبلان وهو يقف: " أصبت يا أبي، فما من فرح إلا ويعقبه ترح، وما من
سعادة إلا ويليها شقاء! "
وهدر صوت هومو الذئب، فانحنى أرسوس عليه بعطف، وقال: "أنت مثلي يا
عزيزي-حكيم تتوخى السلامة"
غير أن الذئب زمجر بصوت مرتفع، فعجب أرسوس، وحاول أن يسترضيه.
وزمجر هومو للمرة الثالثة، ثم نهض وتقدم من الباب.
وهم أرسوس بالنهوض ليرى إن كان في الخارج أحد، وكلنه جمد في مكانه وهو
جاحظ العينين، يحدق بذهول إلى رجل يقف بلا حراك!
كان الرجل متشحاً بالسواد، ويغطي رأسه بالشعر المستعار، ويرفع بيده عصا من
حديد.
وتقدم الرجل، وردد أرسوس اسمه:
"الضباط الأسود.. الضابط الأسود,,"
وأقشعر جسد جونبلان لقد أستعاد إلى الذاكرة حديث أرسوس عن هذا الشيطان
المريد، وأوشك أن يصرخ هلعاً.
وتبع صاحب الفندق وهو يتعثر من شدة الخوف الضابط الأسود، ورفع الضابط
عصاه فمس بها كتف جونبلان، ثم أومأ إليه أن يتبعه.
طاشت سهام جونبلان، وأيقن من الهلاك.. أدرك كل شيء، وشهر باللهفة
والمضض.. فالعصا الملعونة لا تقبل رفضاً أو تمرداً!
حاول أن يمتثل، ولكنه أحس بالوهن.. كانت الصدمة قاتلة، فالرجل الأسود
يأمره، وعليه أن يطيع.
جن جنون أسوس، وقد شعر بالنهاية المروعة، لقد ألمت الطامة الكبرى.
وشخص جونبلان إلى الضابط الأسود، ودنا هذا منه وقبض على رسغه بطريقة
يعلم منها الناس أنه لا يطلب إلا تلك الضحية!
وبسرعة أستدار الرجل المخيف ومشى ببطء دون أن يلتفت إلى الوراء.
نظر جونبلان إلى أرسوس متوسلاً، ولكن الأخير هز رأسه قم نكسه، وكأنه
يقول:
"كلا يا جونبلان لاتتمرد، لاتقل لنور شيئاً، بل اتبعه على الفور!"
والتفت الشاب إلى محبوبته والأسى منطبع على أمائره، ودمعت عيناه، فانحنى
عليها، وكأنه يرغب في تقبيلها قلبة الوداع الأخيرة!
إلا أن أرسوس حال بينه وبين نور، وهمس في أذنه:
" لذ بصمت! لاتتكلم قبل أن يطلب الإستجواب منك أن تتكلم!"
ورنا جونبلان إلى نور بعين محبة حزينة ومضى وراء الرجل الأسود.. أخذ
يقفو أثره، كأن فيه جاذباً يجره وراءه فلا يجد محيصاً عن ذلك!
واصل الضابط الأسود تقدمه، لا يتريث، شأن الواثق من نفسه، المطمئن إلى أن
ضحيته ألزم له من ظله.
أبتعد عن الفندق، وغذا السير في أرض خلاء، حتى إذا وصلا إلى الطريقق
المعبدة ، رأى جونبلان ثلة من الجنون في أنتظارهما، ورأى جمهوراً من
المستطلعين جمعهم الفضول في مكان واحد قريب من الجنود.
داخل حسه أن نهايته أزفت، وأن أجله حم.. فزفر زفرة مكلوم مكروب، وفكر
بنور وبأروس، وقال يحدث نفسه:" رباه! هب لي القوة والإيمان، حتى أصمد
أمام أعدائي، وخرج بريئاً طاهر الذيل..رباه رباه1"
أحاط به الجنود إحاطة السوار بالمعصم، وأشار إليه آمرهم، فمشى مرفوع الرأس
شامخ الأنف.. مشى وفي صدره عواطف وأحاسيس تختلج متضاربة متصارعة!
ومشى الضابط الأسود في المقدمة، بخطى ثابتة يضرب بها الأرض بوقع قوي
رتيب.
مشى الضابط الرهيب، ومشى وراءه جونبلان-ذاك يفكر ولا يعلم أحد مدى
فكره....
وهذا يفكر، وكلنا نعلم محور فكره!
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف فارس الاحلام 25.09.07 0:40

تقبلوا ارق التحيات
فارس الاحلام
فارس الاحلام
:::مبدع شباب كربلاء:::
:::مبدع شباب كربلاء:::

ذكر
عدد الرسائل : 121
العمر : 34
الهواية : الرسم
المدينة : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف صفاء الكربلائي 29.09.07 18:17

مشكور خوية
هذا ابداع
عاشت ايدك بس القصة كلش طويلة ينرادلها اسبوع ههههههه
صفاء الكربلائي
صفاء الكربلائي
:::شخصية هامة:::
:::شخصية هامة:::

ذكر
عدد الرسائل : 567
العمر : 39
الهواية : احسب نجوم
المدينة : كربلاء المقدسة

البطاقة الشخصية
الشعارات والاهداف:

https://krbla.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف الحزين الراحل 22.11.07 22:11

مثل ما كال اخوي المدير

يخلص الشتراك
واجدد
ويخلص
الاشتراك
واجدد
.................ز
الى ان اعلن افلاسي واني بعدني مقاري القصة هههه لاتزعل مني خوث
الحزين الراحل
الحزين الراحل
::شغلة رهيب::
::شغلة رهيب::

ذكر
عدد الرسائل : 176
العمر : 36
الهواية : تصفح الانترنت
المدينة : العراق

البطاقة الشخصية
الشعارات والاهداف:

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الضاحك الباكي Empty رد: الضاحك الباكي

مُساهمة من طرف الحزين الراحل 22.11.07 22:12

شكرا ياورد
بس
مثل ماكال المدير القصة طويلة
يعني يخلص اشتراكي
واجدد
ويخلص مرة
ثانية
واجدد
مرة ثالثة
ويخلص مرة لخ
..............
................
ز................ز
الى ان اعلن افلاسي ههههه لاتزعل مني ورد
الحزين الراحل
الحزين الراحل
::شغلة رهيب::
::شغلة رهيب::

ذكر
عدد الرسائل : 176
العمر : 36
الهواية : تصفح الانترنت
المدينة : العراق

البطاقة الشخصية
الشعارات والاهداف:

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى